منتدى تاهلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى تاهلة

الزراردة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القرآن الكريم خطاب ربانـي للفطرة البشرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mustapha_el
مشــرف
مشــرف
mustapha_el


عدد الرسائل : 207
تاريخ التسجيل : 25/02/2008

القرآن الكريم خطاب ربانـي للفطرة البشرية Empty
مُساهمةموضوع: القرآن الكريم خطاب ربانـي للفطرة البشرية   القرآن الكريم خطاب ربانـي للفطرة البشرية I_icon_minitimeالإثنين مارس 24, 2008 12:53 am

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على الرسول الأمين, المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحابته أجمعين.
لقد أجمع علماء الأمة, وأعلام الملة, على أن البشرية لم تعرف خلال تاريخها الطويل كتابا له من التأثير في النفس, والاستئثار باللب, ما للقرآن الكريم.
وذلك لأنه خطاب ربانيّ للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها.
لقد عرفت البشرية منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا عددا لا يكاد يُحصـى من الموهوبين من الأدباء والشعراء الذين كتبوا وأبدعوا ما وسعهم الإبداع حتى كان منهم من "ملأ الدنيا وشغل الناس" [1], وأعجب بهم الناس جيلاً بعد جيل وأمةً بعد أمة ولكن أحدا منهم لم يستطع أبدا أن ينفذ إلى أعماق النفس البشرية ويسبر أغوارها مثلما نفذ إليها القرآن الكريم.
وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أول من وَجِلَ قلبه, واقشعرّ جلده عند سماع القرآن الكريم. فقد كان يتحنث في غار حراء إذ نزل عليه جبريل عليه السلام وأمره بأن يقرأ ثم ضغطه ثلاثا وقرأ عليه قول الله تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }, فخرج رسول الله بعد ذلك من غار حراء وهو في حال شديدة من الوجَل, وفزع إلى بيته, وطلب من زوجه خديجة أن تزمله. فمازالت عليه حادبة, وله راعية, إلى أن ذهب عنه الروع. ثم حملته إلى ورقةَ بنِ نوفل الذي بشرها بأن محمدا هذا هو الرسول المنتظر الذي بشر به عيسى قومه, وتمنى ورقة لو تراخى به العمر, وتغافلت عنه المنية فيكون من أوائل الذين يقفون بجانب رسول الله ويشدون أزره, فقال قولته الشهيرة: " ليتني فيها جَذَعا".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته يبكي في كثير من الأحيان عند تلاوته للقرآن الكريم ولاسيما عند خلوه إلى ربه. قال القرطبي في معرض شرحه لقوله تعالى: { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [2]" ذكر ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البُناني عن مُطرّف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَلِ [3] من البكاء» [4].
وعلى هذا النحو أيضا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا "إذا قرئ عليهم القرآن تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم", وفي مقدمة هؤلاء أبو بكر رضي الله عنه. [5] وفيه وفي مثله من الصحابة ومَن نحا نحوهم من أمة الإسلام يقول صلى الله عليه وسلم: "ما اقشعّر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه الله على النار" [6].
وكذلك كان طائفة من أهل الكتاب ولاسيما الراسخون منهم في العلم, كانوا يذرفون الدموع عند سماعهم القرآنَ الكريم " لِما عرفوا من الحق" وأدركوا من اليقين في كتاب الله. قال تعالـى: " { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [7].
ومن هذه المقدمة المقتضبة يتبيّن لنا أن الله تعالى أودع القرآن الكريم سراً من أسراره العظمى فيسّر قراءته وتلاوته وحفظه, وجعل له سلطانا على الجوارح والقلوب. وكلما ازداد الإنسان المؤمن تمرسا باللغة العربية, وازداد تعلقا بالقرآن الكريم كلما تكشّفت لــه أسراره, وتجلّت أنواره, واطمئنّ به جَنانه, وقوي إيمانه.
وممّا يكاد يعرفه الناس جميعا أن الله تعالى أيّد رسله بالمعجزات. واقتضت حكمته سبحانه أن تكون معجزة كل رسول من جنس ما برع فيه قومه ونبغوا, لتكون في منتهى الدَّلالة على صدق الرسول وصحة رسالته. فكانت معجزة موسى عليه السلام عصاه التي تَلَقَّـفَـت سحر بني اسرائيل وبدَّدَتْهُ حتى كان السحرة أول من سجد لله وآمن بموسى. وقد نبغ قوم عيسى في الطب فكانت معجزته عليه السلام أن أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله, وأنْ خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طائراً بإذن الله.
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم جعل معجزته الكبرى القرآن الكريم وأنزله بلسان عربي مبين. ومعلوم أن العرب أرباب الفصاحة وفرسان البيان "فالكلام كلامهم قد فاض بيانهم وجاشت به صدورهم" كما يقول الجاحظ. [8] ويقول ابن خلدون: " وهم أي العرب لا يزالون موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام, والفصاحة في النطق, والذلاقة في اللسان, والبيان سمتهم منذ كانوا" [9].
كل هذا وغيره ممّا لا يتسع المجال ههنا لبسطه يدل على أن العرب أمة البلاغة والبيان, وقد امتازوا بذلك عن جميع الأمم البائدة والحاضرة.
فلمّا جهر محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته, وصدع برسالته, شرع يتلو عليهم القرآن الذي هو آيته إليهم, وحجّته عليهم, فاستولت على جبابرتهم الحيرة, وأصابهم الذهول: فهذا القرآن ليس شعرا كشعرهم, ولا خطبا كخطبهم, ولا سجعاً كسجع كهانهم, ثم إن عليه من الحلاوة, وله من الطلاوة, ما ليس لغيره من كلام العرب. وقد قابل القرآن الكريم كبرياءهم وعتوهم بالتحدي بأن يأتوا بمثله أو ببعضه, أو ببعض مثله مما قلّ منه أو كثر, فإن فعلوا بطلت رسالة محمد, وحاشا لله ذلك, وإن عجزوا فرسالته صادقة, ودعواهم باطلة. وكذلك كان, "وتمّت كلمة ربك صدقا وعدلا".
وهذه المعجزة الكبرى التي خُصّ بها محمد صلى الله عليه وسلم تختلف عن معجزات الرسل قبله بخصائص انفردت بها, منها:
- أن المعجزات السابقة معجزات حسيّة, قد تُرى رأي العين, أو تلمس لمس اليد.
- وأنها محصورة في الزمان.
- وأنها انتهت بوفاة الرسل الذين سخّرها الله لهم, فلم يبق إلا ذكرها والتصديق بها.
أما القرآن الكريم فهو معجزة أبدية لا يحدها زمان, ولا يحصرها مكان. وهي معجزة وجدانية, تعيش في ضمائر المسلمين وقلوبهم فلا يخبو نورها, ولا يخفت صوتها. ثم إن القرآن الكريم خطاب إلهي مفتوح للناس كافة, ودعوة للتي هي أقوم لكل من تاقت نفسه لسعادة الدارين. وذلك لأن مشيئة الله اقتضت أن يكون محمد خاتم الأنبياء والـمرسلين. فلا نبي بعده. لذلك كانت معجزته الكبرى معجزة متكررة بنفسها, قائمة بذاتها على تعاقب الأزمان, وتصاقب الأجيال, فلا تفنى بفناء قوم, ولا تندثر باندثار جيل. وقد تعهّد الله بحفظها فضمن لها الخلود بعد الوجود, قال تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنما له لحافظون} [10] .
وهذا الخطاب الإلهي محيط بالنفس البشرية من أقطارها, خبير بأسرارها, لأنه يخاطب فيها الفطرة التي فطر الله الناس عليها, لذلك تدرك القلوبُ معانيَ القرآن ومراميه بالإيمان قبل أن تدركها العقول والأفهام. وآية ذلك أن الـمرأة التي لم تختلف إلى مدرسة, والرجل الذي لم يتردد على كُتاب, يسمعان بعض الآيات القرآنية فيدركان توّاً أنها من الذكر الحكيم ولا يشتبه عليهما القرآن بأي كلام آخر وإن كان أيضا بلسان عربي مبين, وربما يدركان بالفطرة السليمة من جلال المعاني وروعتها ما لا يدركه بعض الدارسين, فيقشعر منهما الجلد ويلين القلب, وتذرف العينان.
وهذا الخطاب الإلهي لا ينفذ إلى النفس ولا يستأثر بها في وقت دون آخر, أو في حالة دون غيرها, بل يتمّ له ذلك في كل أحوالها ومتقلباتها: فإذا خاطبها في سياق الرحمة والمغفرة لانت وانشرحت, وإذا حدثها عن النعيم الذي أعده الله للمتقين من عباده ابتهجت به, وطمعت فيه, واسترخصت ما دونه من نعيم الدنيا, أما إذا خاطبها في سياق الوعيد وحدثها عن عذاب السعير, ارتجفت منها القلوب, واقشعرت منها الجلود.
ولنضرب على ذلك مثلين, أولهما عن النعيم الذي ادّخره الله لعباده المتقين:
قال تعالى في سورة الرحمن: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [11] .ـ فأيُّنا يقرأ هذه الآيات الكريمة أو ما يشبهها في القرآن الكريم دون أن تتوق نفسه إلى هذه النعم الربانية, والخيرات السَّـنية, ودون أن يبتهل إلى الله تعالى بلسان الحال أو المقال أن يكون من الذين أنعم الله عليهم بها؟
ولنقرأ بعد هذا خطابَ القرآن للناس يحذرهم ينبّههم من الغفلة ويحذّرهم من عذاب الله إذا نزل بهم أو أتتهم الساعة وهم في غفلة عنها. يقول عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [12] . فهذا وصف مخيف لمجيء الساعة وما يحيق معها من ذعر وهلع, وما قرأ مؤمن هذه الآيات وما شابهها وتمعّن فيها بعض التمعّن, وتدبرّها بعض التدبّر, إلا وجل قلبه, واضطربت جوانحه. فمجيء الساعة وما يعقبه من حساب وعقاب لهو كالزلزال الذي يُذهل الأم عن رضيعها وهو ألصق الناس بها وأشدهم حاجة إليها, وهي أكثرهم تشبثاً به, وخوفاً عليه. ومن شدة هذا الهول تضع الحامل حملها, فلا تستطيع له إمساكا ولا عليه حفاظاً. فهول الموقف أكبر من ذلك. وفي هذا الجو الرهيب ترى الناس قد فقدوا رشدهم, فهم سُكارى قد طفحوا من السكر, ولكنه ليس سكرا من خمر أو شراب, بل هو سكر من هول الموقف, وخوف شديد من عذاب الله.
ومن هذين المثلين يتبيّن لنا بجلاء أن الخطاب القرآني يبلغ من النفس مبلغا عظيما سواء حدثها عن النعيم أو عن الجحيم أو غيرهما. وهذه القدرة الفريدة على التأثير في النفس في كل أحوالها ومتقلباتها إنما ينفرد بها القرآن الكريم دون غيره. نعم, لقد ظهر في تاريخ الأمم والشعوب منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا شعراء وأدباء ومفكرون, خلّدوا اسمهم وذكْرهم في قلوب الدارسين وفي ضمائرهم, ولنا من هؤلاء في الأدب العربي شعره ونثره النصيب الموفور, ولكن كلامهم جميعهم بات قابلا للأخذ والرد, والتمحيص والنقض, خاضعا للمعارضة قابلا للتحدي. وهذا بخلاف ما هو عليه الحال بالقياس لكتاب الله. أضف إلى ذلك أن الشعراء والأدباء والمفكرين لم يعرفوا من أحوال النفس البشرية إلا قليلا, ولم يسْبُروا من غورها إلا يسيرا, لذلك قد تجد كبار الشعراء يتفوقون في غرض دون غرض, ويصيبون المرمى في بيت ويخطئونه في أبيات. وقديما قيل: "أشعر الشعراء امرؤ القيس إذا ركب, وزهير إذا رَهِب, والنابغة إذا رغِب, والأعشى إذا طرِب". ومعنى هذه العبارة التي تداولها النقاد قديما وحديثا أن كل واحد من هؤلاء الفحول يجيد فنا من الفنون فلا يشق له فيه غبار, فلن تجد أشعر من امرئ القيس في الوصف, وزهير في الحكم, والنابغة في الاعتذار, والأعشى في الخمريات. أما أن تجد شاعرا يخاطب النفس البشرية في كل حالاتها وعلاتها, على مقدار واحد من البراعة والبيان فأمر يخرج عن طوق البشر. وإنما ذلك للقرآن الكريم, وللقرآن وحده.ولعمري إن هذا لوجه من أسمى وجوه الإعجاز وأسناها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.starzerarda.1er.us
 
القرآن الكريم خطاب ربانـي للفطرة البشرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى تاهلة :: المنتدى الــد يــــــنــي :: المواضــــيـــع الــد يـنــيـــة-
انتقل الى: